الأحد، 19 فبراير 2012

من المعارف إلى الكفاءات



1.     حول المعارف :

     
النجاح في المدرسة ليس هدفا في حد ذاته· أكيد، أن أي تعلم يهيء للمسار الدراسي المقبل· لكن في آخر الأمر، ومبدئيا، المتعلم عليه أن يكون قادرا على تعبئة واستخدام مكتسباته المدرسية خارج المدرسة، وفي وضعيات/مواقف متنوعة ومعقدة، وغير مرئية/منتظرة·

        الاهتمام بإعادة استثمار المكتسبات المدرسية يلبي الحاجة إلى نجاعة وفعالية التعليم، وإلى تلاؤم أكثر بين التعلمات المدرسية ووضعيات/مواقف الحياة، سواء في العمل أو خارج العمل· اليوم، هذا الاهتمام يعبر عن نفسه فيما نسميه: إشكالية تحويل المعارف وبناء الكفاءات، هذان التعبيران لا يعوض أحدهما الآخر، ولكن يشير كل واحد منهما إلى وجه واحد من الإشكالية:
·        لكي تكون المعارف المدرسية نافعة يجب أن تكون قابلة للتحويل·
·   لكن هذا التحويل لايتطلب، فقط، التحكم في المعارف، بل يجب أن يمر عبر دمج هذه المعارف عبر كفاءات التفكير، واتخاذ القرار، والفعل، حسب الوضعيات المعقدة التي يجد الفرد نفسه فيها·
        كل هذا، يتهيأ لنا بأنه يتحقق تلقائيا، لكن عملية التمدرس هي عبارة عن مسيرة طويلة، وتشغل مرحلة مهمة من تاريخ حياة الفرد، حيث تدوم من 2 و 4 سنوات الى 16 أو 25 سنة، حسب هذه الدراسة·
        عندما تكون مسألة "الدخول في الحياة العملية" بعيدة جدا، يكون من الصعب التعرف على الهدف النهائي، وخاصة خلال مرحلة التمدرس  الاجباري، الذي مهمته هي اعطاء ثقافة عامة بغض النظر عن أي مستقبل مهني محدد، وحينما نعود باستمرار، وبتعابير تتغير من عصر إلى آخر، الى مشكلة تحويل المعارف وبناء الكفاءات، فلأن هذه المشكلة لم تحل دائما بكيفية عملية·

         المدرسة تطور، قطعا، كفاءة معينة: تهيء أحسن تلاميذتها لتعبئة المعارف خلال وضعية التمارين المدرسية أو خلال الامتحان، بمعنى، خلال نوع محدد من السياقات، وهذا يمكنه أن يقنع أغلب الفاعلين: المدرسون ينجزون مقرراتهم، والتلاميذ يأخذون الحق في متابعة دراستهم، والتساؤل حول ما يتبقى (من المكتسبات المدرسية) لاحقا خارج الحياة المدرسية، ليس بالضرورة سؤالا مهما وحاسما في حياة المدرسين والمتعلمين، وبتعبير آخر، إنه سؤال مزعج ومعيق، المدرسة لم تحاول قط أن تواجه هذا التساؤل والوعي بحدود تحويل المعارف المدرسية، والاعتراف بأن التلاميذ الذين ينجحون في القسم ليسوا بالضرورة، قادرين على تعبئة نفس المعارف في وضعيات أخرى·

2. حول الكفاءات :

      قبل أن يحاول فليب بيرنوا اقتراح تعريفه للكفاءات، يناقش ثلاث مقاربات للكفاءات، يعتبرها مقبولة، غير أنها لاتأتي بشيء ذي أهمية كبيرة بالنسبة للكفاءات: حيث هناك مقاربة الكفاءات كهدف، أو كإنجاز كامن، أو كمعرفة التصرف/حسن التصرف (
savoir faire) ويعتبر بأن هذه المقاربات مشروعة، ولكنها أقل فعالية:
1)  في بعض الأحيان نتكلم عن الكفاءات، فقط، من أجل الإلحاح على التعبير على أهداف التعليم من خلال سلوكات قابلة للملاحظة، هنا نعيد الصلة مع "تقليد" عمَّره الآن 30 سنة! وهو تقليد بيداغوجيا التحكم، أو مختلف أشكال بيداغوجيا الأهداف، التي لن نتجاوزها بعد، إلا عندما نتجاوز تعسفاتها وانحرافاتها المعروفة: السلوكية الاختزالية، الصنافات اللانهائية، التجزيء المبالغ فيه للأهداف، تنظيم التعليم هدف بهدف ··
   وبمعرفتنا لهذه الحدود، لايمكن لنا اليوم أن نجرأ على التدريس، بدون الاعتماد على أهداف واضحة ومفهومة بالنسبة للمتعلمين، وبدون تقييم مستمر، بمشاركة المتعلمين، لمستوى التحقق/الإنجاز وذلك من أجل أهداف الضبط (التقييم التكويني) ·· ويمكننا، بشكل تام، أن ندرس ونقيم بواسطة الأهداف دون الانشغال بتحويل المعارف، وبدرجة أقل بتعبئتها، من بين موارد أخرى، وذلك أمام وضعيات معقدة· تمثل الكفاءة كهدف تعلمي بسيط، يجعل المهمة مضببة وغير واضحة، وتوحي لنا، بكيفية خاطئة بأن أي تعلم مدرسي قابل للتحقق هو كفاءة·
2)  مفهوم الكفاءة  يمكنه أن يتقابل مع مفهوم الإنجاز (Performance): الإنجاز الملاحظ يمكنه أن يكون مؤشرا، أقل أو أكثر دلالة،على الكفاءة، التي من المفترض أن تكون قارة، ولكنها غير قابلة للقياس إلا بكيفية غير مباشرة· في هذا السياق، الكفاءة هي وعد بإنجاز مستوى متوسط معين، هذه المقاربة نجدها متطورة في اللسانيات والقياس النفسي·
     الكفاءة هي دائما مرادفة لمعرفة التصرف، هذا الاستعمال له مشروعيته، لكنه يضع في نفس المجموعة معرفة التصرف الأكثر نوعية وخصوصية - كمعرفة فتح علبة مصبرات - وتلك الأكثر تركيبا وتعقيدا، مثلا،ربح انتخابات معينة·

      بعد هذه المناقشة للمقاربات السالفة لمفهوم الكفءة، يقترح فليب  بيرنو : أن نخصص مفهوم الكفاءات لمعرفة التصرف من مستوى عال، حيث تتطلب دمج عدد من الموارد المعرفية خلال عملية معالجة وضعيات معقدة، وهذا يوحي بإمكانية تفتيت الكفاءات الى عناصر أكثر خصوصية (
éléments de compétence) حسب التيرمولوجيا الكندية، أو إلى قدرات حسب مقاربات أخرى· وكيف ما كان الاسم، نعرف بأن مجموع هذه العناصر لايعادل الكفاءة الكلية: كما هو دائما في المنظومات الحية، الكل هو أكبر من مجموع الأجزاء لأنه يشكل نسقا، كما يقول طارديفال (Tardif)· وكقدرة علي معالجة فئة من المشكلات، أو مجموعة من الوضعيات لها نفس البنية تتطلب قرارات وأفعالا من نفس النوع، فإن الكفاءة تستدعي الخطاطة البياجوية (نسبة الى بياجي)، وبنية قارة للفعل، حيث تمكن من أجل حد أدنى من الملاءمة، من مجابهة مختلف الوضعيات المشابهة· الفرق هو أن الخطاطة هي عبارة عن تشكيل لمجموع ما يستدعي حركة واحدة وعملية ذهنية واحدة، في حين الكفاءة تستمر من أجل مهمة أكثر تعقيدا، وتعبئ موارد معرفية متعددة ومتنوعة: خطاطات الإدراك، التفسير، الفعل، الحدس، تخمينات، أراء، قيم، تمثلات بنائية للواقع، معارف·· الكل يندمج في استراتيجية حل المشاكل·· خلال التطبيق، الخطاطة الجيدة·

تمكن مجابهة بعض الوضعيات المعقدة، ونفس الشيء بالنسبة لكفاءة أولية (
élémentaire)، لكن ولأن هذه الأخيرة، مبدئيا، قد تكونت عبر سلسلة من الاستدلالات الواضحة، ومن القرارات الواعية، فإنها تصبح تدريجيا آلية (automatisée) أمام خطاطة جديدة قمينة بأن توظف كـ "لا شعور علمي" inconscient pratique الذي تحدث عنه بياجي، أو كـ "معارف في طور الفعل" (savoires en acte) كما يقول فيرنود (vergnaud

  وفيما يخص علاقة المعارف بالكفاءات، يقول فيليب بيرنو  ، بأنه يجب أن نبتعد عن الفكرة الخاطئة التي تقول:"  لكي نطور الكفاءات يجب أن نهجر الاعتماد على المعارف· وبما أن هذه الأخيرة، وحسب المعنى الكلاسيكي، هي عبارة عن تمثلات منظمة للواقع، أو كأفعال على الواقع، فانها المعارف) تصبح موردا جوهريا وأساسيا في عملية بناء الكفاء···


       محمد الصدوق
/ المغرب
* بتصرف عن مقال لفليب بيرنو: "
Des savoirs aux compétences..."
ورد في موقع: unige.ch<!-- / message -->


·        ملاحظة : عوض مصطلح ( كفايات و كفاية )  بمصطلح ( كفاءات و كفاءة ) .

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا جزيل للمرافق التربوي
    وجدت عندكم مواضيع جد هامة
    بارك الله فيكم

    ردحذف